الخميس، 13 ديسمبر 2012

• قصص الأطفال: السمكةُ تلقن الصبي درسًا في الأدب


       خرج الصيادُ كعادته كلَّ صباحٍ متوكلا على الله قاصداً رزقه، ومعه غلام صغير يستأجره يدربه على العملِ ويحمل عنه صنارته وسلته، وُطعَم سمكته، وبعض الأشياء التي يحتاج إليها من طعامٍ، وشراب يكفى يومه الذي يقضيه على شاطىء البحرِ.
          صيادنا رجلٌ طيبُ القلبِ لا يصطاد السمكَ الصغير لأنه ثروة قومية، ويفضل أن يتركه حتى يكبر وينجب أسماكاً كثيرة ويصطاد الكبير، فكان إذا وقعت فى صنارته سمكة صغيرة أعادها إلى المياه وهو يقول:

          - انتظري حتى تكبري.
          ولكن السمكةَ بعد أن أعادها الصياد للمياه سبحت وعادت إلى صنارة الصياد وتعلقت بها، ولما شعر الصيادُ بحركة الصنارة، وعرف أن هناك سمكة تعلقت بها قال:
          -  يا رب..   بسم الله.
          ورفع الصنارة فإذا بها السمكةُ الصغيرةُ نفسها، وتعجب الصياد وهز كتفيه محدثاً نفسه: "هذه هي نفس السمكة".
          ورفع يده بالسمكة وبكل قوته رمى بها إلى مسافة أبعد وهو يردد عبارته:
- انتظري حتى تكبري.
          ورمى الصيادُ صنارته هذه المرة بعد أن غذاها بالطعم وهو لا يدرى أن ذات السمكة تسبح بسرعة حتى تصل إلى صنارته قبل أن تسبقها غيرها، وتتعلق بها.
          رفع الصياد صنارته وهو يقول:
          - يا رب ..  بسم الله.
          وما أن رأى السمكة نفسَها حتى أصابته الدهشةُ، وقبل أن يسأل نفسه ماذا يفعل؟
          سمع  صوتا ضعيفًا يقول له:
          - انتظر لا تلق بي.
          عرف الصياد أنه صوت السمكة فنظر إليها مندهشا وسألها:
          - هل أنت التي تتكلم؟
          - نعم، وأرجوك لا تلق بي في البحر ثانية.
          قال الصياد مندهشاً:
          - لماذا يا سمكة، فأنت لا تزالين صغيرة، وأنا لا أصطاد السمك الصغير.
          قالت السمكة:
          -  ولكني لا أحب العودة إلى الماء، وأفضل أن تأخذني معك.
          قال الصياد فى نفسه: "هذه سمكة متهورة ولابد أن آخذها بالحيلة".
          - اسمعي يا سمكة الآن سوف أعيدك إلى البحر وأعدك عندما تكبرين سوف أحضر صنارتي  وأصطادك، ما رأيك أليست فكرة رائعة؟
          قالت السمكة:
          - ولكن من الممكن ألا أكبر.
          - لماذا يا سمكة فكل صغير لابد له أن يكبر.
          - في البحر عادة سيئة تجعلني لا أثق في أنني سوف أكبر، وأفضل أن تأخذني معك الآن.
          قال الصياد مندهشاً:
          - وما هي هذه العادة السيئة يا سمكة..؟
          - في البحر يأكل السمكُ الكبيرُ السمكَ الصغيرَ، وهذا يجعلني غير مطمئنة، وأفضل أن يأكلني الإنسان فأحقق له فائدة صحية عظيمة، ولا تضيعني سمكة كبيرة لا ترحم فى جوفها.
ابتسم الصياد قال:
          - أنت سمكة ذات فطنة وذكاء.. وبالفعل يجب  على الكبير أن يرحم الصغير، ولكن ماذا أفعل بك وأنت صغيرة جدًا ولا تشبعين طفلا.
          قالت السمكة:
          - خذني وربني عندك حتى أكبر.
          قال الصياد:
          - مرة أخرى تثبتين فطنتك.
          سأخذك معي، وأضعك فى حوض زجاجي جميل يليق بحكمتك وذكائك، وأضع لك الطعام المناسب حتى تكبري.
          وسوف تنجبين أسماكًا كثيرة لها نفس ذكائك، وحكمتك.
          أخذ الصيادُ السمكة إلى بيته وهو سعيد بها، جهز لها حوضاً زجاجياً مناسباً وضعها بداخله وهو يناغيها ويداعبها، كأنها طفلته الجميلة، ثم جلس أمامها هو والصبي يتناولان عشاءهما كعادتهما كل مساء.
          صباح اليوم التالي استأذن الصياد من السمكة بأنه ذاهب إلى البحر يبحث عن رزق اليوم، وتمنى لها قضاء يوم سعيد، تمرح فيه وحدها فى آمان.
خرج الصياد ومعه الصبي الصغير، وعادا في آخر اليوم يحملان رزقهما.
          ألقى الصياد بتحيته على السمكة النجيبة، وجلس وصبيه أمامها يقتسمان السمك  الذي حصلا عليه اليوم.
          قال الرجل:
          - رزقنا اليوم وفير وسيكون نصيبك أيها الفتى كبيراً، يكفي لعشائك ويمكنك بيع الباقي.
          نهض الصبي واقفاً وقال بحدة على غير عادته:
          - أنت تعطيني الثلث وهذا لا يكفي، أريد النصف مثلك تماماً.
          - كيف أيها الصبي الطيب؟  فأنت لاتزال صغيراً، وليس لديك مسئولياتي، ثم إنني أدربك لكي تكون صياداً ماهراً فى المستقبل، وأعطيك ثلث السمك مقابل معاونتك القليلة لي.
          رد الولد بحدة:
          - قلت لك هذا الثلث لا يكفيني، فأنا أريد أن أدخر مالاً كثيراً حتى أصبح غنياً.. ثم إنك من دوني لا تستطيع الذهاب إلى البحر، فيجب أن تستجيب لطلباتي.
          قال الرجل:
          - لقد صرت ولدا طماعاً ومتعجلاً للكسب وهما صفتان مذمومتان في الإنسان، يجب يا ولدي أن تتخلص منهما فوراً وتعود ولداً طيباً ومطيعاً كما كنت.. وتنتظر حتى يشتد عودك وتصبح صياداً بارعاً وتستقل بحياتك.
          رد الولد:
          - مادمت لا تريد أن تعطينى حقى طواعية فسوف أحصل عليه عنوة.
          انتزع الصبي السمك كله من يد الصياد وأسرع به خارجاً.
          وبينما الصياد يقف مذهولاً غير مصدق إذا بالسمكة تضرب رأسها فى زجاج الحوض وتجري هنا وهناك محدثة جلبة وهي تصيح:
          - لا أريد أن أبقى.. لا أريد أن أبقى.
          أسرع إليها الصيادُ يسألها:
          - ماذا دهاك أيتها السمكة؟
          قالت السمكة:
          - أرجوك أعدني إلى البحر.. لا أريد أن أبقى هنا بعد الآن.
          - لماذا يا سمكة وأنت مازلت صغيرة، وتخشين أن يأكلك السمك الكبير؟
          أجابت السمكة:
          - هذا أفضل..  في البحر يأكل الكبير الصغير، أما عندكم فيأكل الصغيرُ الكبيرَ، لذلك أتوسل إليك أن تعيدني إلى البحر.
          امتثل الصيادُ الطيبُ لرغبة السمكة، وفى الصباح الباكر حملها معه، وحمل عدته، ومشى ببطءٍ خطوة، خطوة يعاني من ثقل ما يحمل حتى وصل إلى البحر وقف على الشط يودع السمكة ثم يطوحها في المياه ويجلس حزينا لفراقها.
          في البحر التقت السمكة بصويحباتها، فرح الجميع بعودتها لكنهن وجدنها حزينة فالتففن حولها يسألنها عن السبب؟
          جلست السمكة بين صويحباتها تقص عليهن قصتها، فقالت لها سمكة تحبها:
          - لا تخشي شيئاً نستطيع أن نتكاتف ونحمي أنفسنا من السمك الكبير.
          قالت السمكة:
          - ولكني أريد أن نتكاتف ونلقن الصياد الصغير درسا ينفعه فى حياته، ويعلمه كيف يحتاج الصغير إلى الكبير مثلما يحتاج الكبير إلى الصغير.
          قالت السمكات:
          - مرينا فنحن نعلم حسن تدبيرك.
          قالت السمكة:
          - إذا جاء الصبي ورمى صنارته علينا أن نفسد له الطعم الذي بها ثم نسحب خيط الصنارة وندخله بين الصخور والأعشاب، فإذا حاول سحب الصنارة ووجدها معلقة بشيء ثقيل ظنه سمكة كبيرة، فيجذب الصنارة بعنف فتتمزق عن آخرها.
          صدقت السمكات على كلامها، وأثناء حديثهن رأين الصياد الصغير يقترب من البحر وهو يغني، ولما رأى الصيادَ الكبيرَ جالساً حزيناً  تجاهله، وألقى بصنارته متظاهراً بالمهارة.
          سحب الصبي الصنارة فإذا بها فارغة من الطعم، فملأها بطعم من جديد ورمى بها وانتظر حتى «غمزت» فسحب الصنارة، فإذا بها أيضا خالية من الطعم مثل المرة الأولى، وهكذا عدة مرات حتى نفد صبره، فنظر إلى الرجل وقال له:
          - أنت تفسد علي الرزق سأذهب إلى الجانب الآخر لعل رزقي يكون أفضل.
          قال الرجل:
          - لا يابني.. الجانب الأخر كثير الأعشاب والصخور يفسد عليك صنارتك فلا تذهب إليه.
          ضحك الولد وقال:
          - وهل من المعقول أنك تقدم لي نصيحة بعد الذي فعلته معك، لابد أنك تضللني.
          ضحك الولد أكثر وقال:
          - وأطمئنك فصنارتي جديدة وخيطها متين، وتستطيع جذب أكبر سمكة في المنطقة.
          ذهب الولد إلى الجانب الآخر وهذا ما تبغيه السمكة وزميلاتها فتمكنَّ بالتعاون من جذب الصنارة ورشقها في الأعشاب ولفها حول صخرة كبيرة.
          ظل الصبي يجذب الصنارة، ويجذب حتى انكفأ على وجهه في الماء.
          ضحكت السمكات وفرحن بنتيجة فعلتهن وأخذن يمرحن ويقفزن في الماء.
          لكنهن توقفن مذهولات إذ رأين الصياد الكبير يسرع لإنقاذ الصبي ويضمد جراحه ويقول له:
          - احترس على نفسك يا بني.
          وانقلبت دهشة السمكات سعادة غامرة إذ رأين الصبي ينحني ويقبل يد الرجل الكبير ويقول له:
          سامحني يا والدي لقد أخطأت في حقك.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق