الاثنين، 13 مايو 2013

• أين يتربى الأطفال؟ وما هي مصادر سلوكاتهم؟


للبيئة والمحيط الذي يتربى فيه الطفل أهمية كبرى في اكتساب سلوكياته، فما هي الأماكن التي يستقي منها ابنك سلوكياته وعاداته وقيمه ومبادئه؟

البيت أولاً:
أجمع علماء التربية وعلم النفس الطفل أن البيت هو أقوى مؤثر في سلوك الابن، ومنه يأخذ مبادئه وقيمه وعاداته؛ وذلك بحكم التصاق الابن به وقضائه وقتاً طويلاً فيه، وبحكم أنه أول من يتسلم خامة الطفل ويؤثر في تشكيلها.
هذا ويساعد الترابط الأسري في بناء شخصية الطفل واحترامه لذاته؛ ففي دراسة صدرت مؤخراً في مجلة "ريدر دايجست" ظهر أن 60% من الطلاب الذين يجلسون مع كامل أفراد الأسرة على الأقل 4 مرات أسبوعياً، أفراد يتمتعون بالقبول والاحترام في مجتمعهم، والأسرة كذلك تكون أقوى ارتباطاً وتماسكاً.
ويعينك - في التأثير على ولدك - أن تجعل العلاقة بينك وبينه قوية متينة عميقة، فحين يكون الطفل محباً لوالديه، متعلقاً برضاهما عنه، يكون وزن البيت في حسه أثقل من وزن الشارع، فيستطيع البيت – من ثم – أن يصلح ما أفسده الشارع، كله إن وفق الله، أو بعضه على الأقل بإذن الله.
وهذا يضع في أعناقنا كمربين أمانة مراقبة تصرفاتنا داخل البيت؛ لأن محاكاة الطفل لما يراه وتعلقه به تكون كبيرة، أكبر مما نتوقعه بكثير، ومنا يستقي صفاته التي تلازمه ردحاً غير هين من الزمن.
المدرسة ثانياً:
وتأثير المدرسة لا يمكن تجاهله، وقد تحتل المدرسة كذلك المرتبة الأولى في التأثير على الطفل إذا لم يقم البيت بدوره التربوي، وخطورة المدرسة تتأتى من أنها تحتوي على المدرسين والمدرسات الذين لا يقلون أهمية عن الآباء من الناحية التثقيفية وزرع القيم والأخلاق، ولوجود الأصدقاء الذين يلعبون دوراً بارزاً في نفسية الطفل، وكذلك لأن الطفل يقضي في المدرسة وقتاً ليس بالبسيط.
ويجب على الأب ألا يترك فلذة كبده للمدرسة تركاً كاملاً؛ بل يجب أن يتابع حركته، ويزور مدرسته ويجلس مع أساتذته، ويناقشهم في مستواه الدراسي، ويشاركهم معه في مهمة تنشئته وتعريفهم بمهاراته، وما ينقصه، وما هي حدود إمكاناته، ويحاول أن يعدل للطفل بعض المغالطات التي سوف يتلقاها من المدرسة سواء من أصدقائه، أو – للأسف – من بعض مدرسيه الذين لا يدركون عظم حجمهم التربوي، وقيمتهم التثقيفية لدى النشء.
المجتمع ثالثاً:
وهو من المحاور التي لا يمكن تجاهلها في التأثير على الطفل، وإن كنا نستطيع أن نوفر مناخاً نرضى عنه في بيوتنا إلا أن المجتمع والشارع – كجزء هام منه – الذي نتعامل معه بالتأكيد فيهما ما لا نرضى عنه، ونخشى على أبنائنا منه. فماذا عسانا أن نفعل؟ وهل الصواب أن نطلقه ينخرط في المجتمع بإشكالاته وأمراضه المعروفة لدى كل ذي عينين أم نغلق عليه الباب ونحيطه بحاجز بغية حمايته والمحافظة عليه؟.
يجب أن نعلم أن حجز الطفل وحصاره خطأ كبير يحد من قدرته على التواصل الجيد مع الغير، ويعمل على إعاقة نموه النفسي والاجتماعي والوجداني، وربما يصيبه بالعزلة والخجل ويزعزع من ثقته بنفسه.
نعم.. الحل هو أن ينخرط في المجتمع ويتواصل معه، مهما بدا لنا ذلك صعباً أو مقلقاً، غير أنك يجب أن تكون معه تسلحه بما يحتاجه من مهارات وأخلاق يتعامل بها مع مجتمعه، وتزيل عنه ما قد يعلق به من شوائب.
"لا بد من مزيد من الجهد يبذل مع الطفل.. مزيد من النصح، ومزيد من استنفاد الطاقة في الخير، ومزيد من شغل أوقات الفراغ في العمل الصالح ومزيد من التشجيع على الأخلاق الفاضلة، ومزيد – إذا لزم الأمر – من العقاب". (ونقصد العقاب غير المعنوي والبدني).
بل تستطيع عزيزي الأب أن تستخدم النماذج السيئة في تعزيز النماذج الحسنة، فاشرح له كيف أن الطفل الذي يسب ويشاغب لا يحبه أحد وينفر منه الجميع، وكيف أن فلاناً المشهور بكذبه وغشه قد سجن أو تعرض لعقاب ما.
بل وسترى بنفسك أثر تعهدك وتربيتك في طفلك؛ إذ سوف تراه يستقبح القبيح ويستحسن الحسن معتمداً على المعايير التي زرعتها فيه، وهذا من عاجل بشرى المؤمن، وإقرار لعين الآباء المجتهدين.
التلفاز رابعاً:
نعم.. ذلك الصندوق العجيب مؤثر هام في عملية التربية، فبضغطة على زر صغير ينكشف العالم أمام الطفل.. ينكشف بأقذر وجوهه، غرف النوم فتحت على مصراعيها، الأخلاق والقيم والبديهيات من الثوابت الدينية بل والإنسانية أصبحت تشتكي الغربة على شاشة ذلك الجهاز الساحر.
ونحن بلا مبالاة نلقي الطفل أمام الشاشة غير مبالين بخطر ما يقدم له.
والأرقام تؤكد أن هذا الجهاز يلتهم أوقات الكبار والصغار، وتشير أحدث الإحصاءات أنه فيما بين 600-700 ساعة على الأقل من عمر الإنسان تضيع سنوياً في مشاهدة التلفاز، ويشكل الأطفال الذين لم يبلغوا سن الدخول إلى المدرسة أوسع شريحة من مشاهدي التلفاز؛ حيث تبلغ ساعات مشاهدتهم حوالي 22.9 ساعة في المتوسط أسبوعياً، بينما يمضي أطفال المجموعة العمرية من 6-11 سنة حوالي 20.4 ساعة مشاهدة أسبوعياً؛ بل إن دراسات مسحية أخرى بينت أن هناك أوقات مشاهدة أطول تصل إلى 54 ساعة أسبوعياً لمشاهدين لم يصلوا إلى السن المدرسية بعد، ولقد لاحظ الباحثون وجود علاقة بين طول ساعات المشاهدة التلفازية وانخفاض مستوى التحصيل الدراسي؛ حيث أثبتت أربع دراسات حديثة قام بها المعهد القومي للصحة العقلية MIMH في الولايات المتحدة الأمريكية أن هناك ارتباطات سلبية قوية بين المشاهدة التلفازية والتحصيل الدراسي.
ومن أبرز الآثار السلبية للمشاهدة التلفازية في التكوين النفسي والسلوكي للأطفال هي حرمان الطفل من فترات اللعب؛ حيث تجور ساعات المشاهدة على وقت لعب الأطفال الذي هو الشغل الشاغل للطفولة، والذي يعتبر أهم أداة لنقل الكثير من المعارف والوسيلة التي يستطيع بها أن يمارس ويطور سلوكيات ضرورية لنجاحه ككائن اجتماعي.
فإذا ما أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام التلفاز، ونوعية البرامج التي يشاهدونها، فإن العلاقة بين التلفاز وسلوك الأطفال تثير قلق الآباء وعلماء نفس الطفولة، خاصة مع تزايد مقدار العنف في هذه البرامج، وهو العنف الذي يتخذ أشكالاً متعددة، منها ما هو ناتج عن مشكلة أو لحل لمشكلة، ومنها ما هو مقحم لمجرد الإثارة وللتسلية، بالإضافة إلى العنف الذي تحفل به نشرات الأخبار.
ولقد أثبتت الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أن تكرار تعرض الأطفال للمشاهدة في البرامج يجعلهم يميلون إلى الاعتقاد بأن العنف وسيلة سريعة وبسيطة لحل المشكلات، وقد يتعلمون من العنف الذي يشاهدونه ويحاولون تقليده، كما يتولد لديهم شعور بالتسامح تجاه العنف في الحياة، ويصبحون أقل حساسية تجاه آلام الآخرين.
هذا غير الكثير من القيم والثوابت التي يهدمها التلفاز.. والأفكار الفاسدة التي يسوق لها.
ولأن الحل لا يمكن اختزاله في كلمة (دمر جهاز التلفاز)؛ نظراً لإيماننا بصعوبة أو استحالة هذا الحل، لذا كان من الواجب علينا وضع حدود عملية المشاهدة بالنسبة للطفل.
وهذه بعض الملاحظات التي يجب أخذها في الاعتبار عند مشاهدة التلفاز:
·      يجب أن نشرح لأبنائنا كيف يتم إعداد برامج التلفاز وبثها، وكيف تصور مشاهد العنف؛ حتى لا يرى الطفل التلفاز كالسحر وينبهر به.
·      عدم استخدام التلفاز كجليس للأطفال، ومحاولة عدم ترك الطفل أمامه بمفرده أو بدون مراقبة، خاصة في عمره المبكر.
·      النقاش حول ما يقدم على الشاشة، وإذا مر شيء غير مرغوب يجب مناقشته وتمحيصه وتبيين خلله وعيبه.
·      وضع جدول للمشاهدة بالنسبة لطفلك، قد يكون بعد الانتهاء من الواجبات أو لساعات يتم الاتفاق عليها.
·      تحديد البرامج والقنوات التي يشاهدونها، ولعل وجود قنوات متخصصة للأطفال قد جعل من هذه النقطة من السهولة بمكان.
·      انتبه جيداً للإعانات فهي أسوأ ما يقدم على الشاشة وتأثيرها على الطفل شديد، فيجب أن تشرح له ماهية الإعلان، وكيف أنه رسالة مبالغ فيها في كثير من الأحيان، وأنها صنعت من أجل الترويج لسلعة وليس لبث نصيحة صادقة.
·      عند مشاهدة مشهد عنيف يجب أن تشرح لطفلك حجم المبالغة الموجود بالمشهد، وأن هذه الأشياء لا تحدث في دنيا الحقيقة، وأن العنف ليس حلاً للمشكلات كما تصوره لنا الشاشة.
إن الحل الأمثل في التعامل مع التلفاز – عزيزي الأب – هو محاولة السيطرة عليه لا منعه أو تجاهله، نعم.. هذا بحاجة إلى مجهود شاق، ولكنها الضريبة التي ندفعها طائعين أو مجبرين من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا.
إقرأ أيضًا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق