الثلاثاء، 14 مايو 2013

• كتاب الأغاني.. تأليف: أبوالفرج الأصفهاني

          في الصحراء الواسعة المترامية الأطراف وفي موسم الحج من كل عام، كانت قافلة الوزير والشاعر والأديب الصاحب بن عباد تقطع الطريق من بلاد فارس إلى مكة المكرمة، ثلاثون جملاً تحمل آلاف الكتب.

 كانت هي رفيقه في رحلته الطويلة، يجالسها لتهون عليه مشقة السفر، يتنقل بين صفحاتها وكأنه يصافح أصدقاءه، فخير جليس في الزمان كتاب. لكن بعد أن ظهر للنور صديق اليوم صارت قافلة الصاحب بن عباد مجرد جمل واحد فقط يحمل الصديق الذي حوى ما حملته كل الجمال من الكتب والأغاني والأشعار، تمامًا مثل تلك القطعة الصغيرة التي تخزن عليها يا صديقي مئات الأغنيات، والتي كانت قديما تحتاج إلى عدد كبير من شرائط الكاسيت، صديق اليوم هو أقدم «فلاش ميموري» عمره أكثر من ألف عام.
          نعرف أن العرب برعوا في مختلف العلوم، طب وهندسة، فلك وجغرافيا، فلسفة وأدب، لكن هل برعوا أيضًا في علم الحاسوب؟
          صديق اليوم يجيبنا عن هذا السؤال بثقة وفخر، بما حواه من آلاف الأغنيات والأبيات والأنغام، إنه كتاب الأغاني الذي سكنت صفحاته ما حوته مئات الكتب من أغنيات وأشعار، فكان أول «فلاش ميموري» في القرن الرابع الهجري، وارتبط اسمه بإسم مؤلفه (الأغاني للأصفهاني)، فلم ينل كتاب في الأدب العربي، شهرة كتاب الأغاني، الذي تمتع مؤلفه بصبر وذاكرة قوية ليمضي خمسين عامًا يرصد ويجمع قصص الأغاني المشهورة، فجمع لأكثر من ألف ومائة وخمسين شاعرًا ما أبدعوه من أبيات منذ بدء الغناء العربي وحتى القرن التاسع الميلادي، ونسب كل شعر لصاحبه وذكر ملحنه ومغنيه.
          خمسون عامًا قضاها على بن الحسين المعروف بالأصفهاني يرتب الأصوات المائة من المغنين التي أمر الخليفة هارون الرشيد باختيار أحسنها، لم يكتف الأصفهاني باختيار الأغاني بل بحث في سيرة حياة الشعراء الذين تحولت أبياتهم لنغمات، فذكر أيضًا سيرة المغنين وواضعي الألحان.
          في بيت صغير يطل على ضفاف نهر دجلة بمدينة بغداد، كان مهد صديق اليوم الذي اختلطت على صفحاته مئات الأصوات، خرير مياه النهر، وغناء النورس وشدو الكروان في الليالي الطويلة التي قضاها ساهرًا مؤلفه الأصفهاني وحوله مئات الكتب يقلب صفحاتها، ليؤرخ ليس فقط للشعر والشعراء، بل يرسم ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والأدبية، ليختلط صليل السيوف بصهيل الخيول مع إيقاع الألحان ودقات الطبول. صديق اليوم كتاب الأغاني قال عنه مؤسس علم الاجتماع العالم العربي عبدالرحمن بن خلدون:
          "كتاب الأغاني أشهر دواوين الأدب العربي على صفحاته رسم الأصفهاني ملامح الحياة في العصر العباسي والمجتمع الجاهلي والعصر الأموي". أما عميد الأدب العربي د. طه حسين فقال عن صديق اليوم "كتاب الأغاني هو المرجع في وصف الحياة الاجتماعية والسياسية والأدبية في التراث الإسلامي".
          طبع صديق اليوم «كتاب الأغاني» لأول مرة في القاهرة بالعام 1285 هجرية في عشرين جزءًا، ثم أكمل المستشرق الإيطالي برونو طباعة الجزء الحادي والعشرين في مدينة ليدن بهولندا. وفي العام 1306 هجرية وضع المستشرق الإيطالي «غويدي» فهرسًا أبجديًا بالفرنسية لكتاب الأغاني.
          وفي مكتبة الشاعر والفيلسوف الألماني جوته بألمانيا، نسخ من كتاب الأغاني للأصفهاني، مازالت صفحاته تنبض بحياة آلاف الشعراء، وبين سطوره تتسلل أنغام الأوتار لتردد أخلد الأغنيات وأجملها.
 إقرأ أيضًا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق