هذه سلسلة من القصص، تصلح
للأطفال في مختلف مراحل العمر، وفي كل قصة عبرة وموعظة، وعلى الطفل حين يقرأ القصة
أن يسأل نفسه، أو حين تقرأ الأم القصة لابنها في وقت لهوه أو قبل النوم أن تسأله:
؟ أين حدثت هذه القصة؟ ومتى حدثت؟ إذكر الشخصيات الواردة في القصة، ومن هي الشخصية
الرئيسية؟ وما هو الدرس الذي نتعلمه من هذه القصة؟
بين الخسارة والفوز
أنا يونس،
في الصف الابتدائي الثاني، في حياتي أوقات سعيدة كثيرة، لكن بالمقابل فإن أصعب
لحظات حياتي حين ألمح أمي وهي قادمة من المطبخ حاملة في يديها الكوب الكبير المملوء
بالحليب، ولأن أمي تعرفني جيدًا وتدرك أن بمجرد اقترابها مني سأمارس طقوسي المعتادة في الكر والفر، وأواصل هوايتي في الاختباء خلف المنضدة أو القفز من فوق الكراسي، أو الركض
في أرجاء الشقة الواسعة، وتعرف أيضًا أنها
ستركض خلفي وستتمكن من اللحاق بي وستجبرني على شرب الحليب كاملاً.
ولأنني
أعرف كذلك أن أمي ستُفشل كل مخططاتي في تحقيق الهروب الكبير، فقد قررتُ أن أعدّل من خطتي
القديمة، أفكر في حيلة جديدة، لهذا فاجأت أمي فور دخولها الغرفة بارتمائي في
أحضانها وعلامات البهجة تكسو ملامحي، وفاجأتها قبل أن تفيق من دهشتها بقولي «لقد
كبرتُ وعليّ أن أشرب الحليب بنفسي» ولكي أزيد الأمر إحكامًا رشفتُ من الكوب رشفة
صغيرة ولكنها كانت كافية لتلوين شفتي باللون الأبيض، وهنا انهالتْ عليّ القبلات من
أمي قبل أن تنطلق باتجاه غرفة المكتب حيث أبي، لتزف إليه هذا الخبر العظيم، وعندما
دخل أبي وأمي عليّ أظهرتُ لهما الكوب وقد خلا تمامًا من هذا السائل الأبيض فاندفعا
باتجاهي وأمطراني بكلمات المدح والثناء احتفاءً بموهبتي في شرب الحليب.
والحقيقة
أن التي كانت تستحق الشكر هي قطتي الصغيرة «بوسي» لأنها هي التي كانت تشرب الحليب؛ حيث
كنتُ أستغل انشغال أمي وأقوم بسكب الحليب في طبق «بوسي» التي كانت تشربه مرة واحدة، حتى
أن وزنها زاد في هذه الأسابيع الثلاثة مما أثار دهشة أخي الصغير.
ظللتُ
خلال هذه الأسابيع الثلاثة أشعر بسعادة بالغة لتخلصي من وجبة الحليب، حتى بدأت الدراسة وكان
اليوم هو الخميس حيث المباراة الأولى في دوري المدرسة، وكعادتي قمتُ بتغيير
ملابسي وارتديتُ الملابس الرياضية وشارة الكابتن باعتباري كابتن فريق صفي،
وعندما بدأ اللعب ازدادت دهشة زملائي من سقوطي المتكرر في الملعب، إذ بمجرد أن يلمسني
أي زميل من الفريق الثاني كنت أهوي على الأرض كما يهوي المطر على الأرض، وكانت
دهشتي أكبر من دهشة أصدقائي فلماذا لم أعد أقوى على اللعب ولماذا هذا الضعف الذي
أصابني وأنا الذي كنتُ معروفًا بأنني أقوى شخص في الصف الثاني الابتدائي في مدرستنا،
وتضاعف حزني عندما كنتُ سببًا مباشرًا في خسارة فريقي المبارة الأولى، وبعد أن كانت
تنهال علي عبارات التشجيع والتحية قبل بداية المباراة انهالت عليّ عبارات اللوم
والعتاب بعد انتهائها.
عدتُ
يومها إلى البيت حزينًا، وكان السؤال الذي يشغلني هو ماذا حدث لي؟ وبعد تفكير أدركت أن سبب ما أصابني هو ضعفي، نعم ضعفي، والضعف
هنا لا يعني فقط ضعف الجسم نتيجة تهربي من شرب
الحليب وحرمان عظامي من الكالسيوم الذي يجعلها قوية ويساعد على نمو عضلاتي، ولكني
كنت ضعيفًا لأني كذبت على أمي وأبي وخنت ثقتهما فيّ وخدعتهما بعد أن خدعت نفسي، وفي
هذه اللحظة قررتُ أن أكون قويًا، وأول خطوة في طريق القوة أن أذهب إلى أمي وأعترف
لها بكل ما ارتكبته، وبالفعل ذهبت إلى أمي وحكيتُ لها كل ما حدث، وكم كانت سعادتي
عندما احتضنتي أمي وهي تخبرني بأنها فخورة بي لأنني أصبحت قويًا عندما صرت صادقًا،
ومن يومها وأنا أحافظ على شرب كوب الحليب، والغريب أن اقتناعي بفائدة الحليب جعلني
أشعر أن مذاقه جميلٌ مما زاد من تمسكي به، وبالمناسبة فقد قدتُ فريقي
للفوز في كل المباريات التالية مما نتج عنه فوزنا بكأس بطولة المدرسة، وهكذا كان
الحليب سببًا في انتصار فريقي وفي فرحة أبي وأمي بي، وفي احترامي لنفسي، وكان الخاسر
الوحيد من حفاظي على عادة شرب كوب الحليب قبل النوم هي قطتي «بوسي».
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق