حارتِ (الهمزةُ المتوسطةُ) أين تذهب، فالكلماتُ
المصطفّة أمامَها كثيرة، وعليها أنْ تختارَ الموقعَ الذي يجبُ أن
تقفَ فيه، هل تقفُ على السطرِ، أم فوقَ واوٍ، أم فوقَ ألفٍ، أم فوقَ نبرة (كرسي)ٍ!
وصاحتِ الكلماتُ:
تعالي يا عزيزتي، نحنُ في أمسّ الحاجةِ إليك، فوجودُك معَنا يظهرُنا على أكملِ وجهٍ، ويتيحُ
الفرصةَ لقرّائنا الأعزاء، كي يقرأونا قراءةً صحيحةً، لا لَحنَ فيها ولا
اعوجاج.
قالتِ الهمزةُ المتوسطة: أعرفُ ما تقولونه حقَّ
المعرفةِ، ولكن ما يحيّرُني هو المكانُ الذي عليَّ أنْ أقفَ فيه.
قالتِ الكلماتُ: لا داعي للحيرةِ، فأنتِ إن
اقتربتِ منّا أكثر، فسوف تعرفينَ مكانكِ تمامًا.
قالت الهمزةُ: وكيفَ أكونُ الهمزةَ المناسبةَ
في المكانِ المناسبِ، والاحتمالاتُ التي أمامي تكادُ تُضيّعني!
قالت الكلماتُ: هل تعرفينَ الفتحةَ والكسرةَ
والضمّةَ؟
أجابتِ الهمزةُ: طبعًا أعرفُها.. إنها الحركاتُ
التي تزيّنُ حروفَكم، ولكن ما علاقتُها بحديثنا هذا؟
قالت الكلماتُ: كلّ العلاقة.
سألتِ الهمزةُ: كيف؟
أجابتِ الكلمات: لقد أجمعتْ تلك الحركاتُ على
انتخابِ (الكسرة) ملكةً دائمةً لهنّ، على أن تكونَ (الضمةُ) وزيرةً
لها، أما (الفتحةُ) فهي تأتي بعدهما في المنصبِ، ثم.. يأتي (السكون) بعدَ الجميع، وهو
المنتمي إلى جنسٍ آخر، ويخالفُ ما سبقَه بصمتِه وهدوئه.
قالت الهمزةُ: جميل.. ولكن هل أنتنّ متأكدات من
اتفاقهنّ جميعًا على ذلك؟
قالتِ الكلماتُ: أجل.
استأنفت الهمزة: أعني.. إنهنَّ لنْ يتصارعْنَ
مجدّدًا حولَ الزعامة.
قالت الكلمات: أبدًا.. فهنّ في تفاهمٍ تام، ولا
يمكنُ لإحداهنّ أن تطغى على الأخرى، أو تعتدي على موقِعها الذي
تتسمكُ بهِ، لأنَ أيّ خللٍ في هذا الترتيب، يوقِعُنا في مواقف نحنُ في غنى عنها.
قالت الهمزة: حسنٌ.. ما دام الأمرُ كذلك،
فدعوني أستفسر: كيف أستفيد منْ هذا التسلسلِ الرئاسيّ؟
أجابتِ الكلماتُ: أنتِ تعلمينَ أن الكسرةَ
تتمسكُ بالنبرة (الكرسي)، والفتحةَ لا تصادقُ من الحروفِ غيرَ الألف، أما الضمةُ
فيهمّها بالدرجةِ الأولى حرف الواو.
قالتِ الهمزة: كلامٌ معقولٌ.. أنا أدركُ ذلك
حتمًا.
تابعتِ الكلماتُ حديثَها:
- وعلى هذا الأساس.. اقتربي من المكانِ الذي
خُصّصَ لك بينَ الحروفِ، فانظري إلى حركتكِ، وحركةِ ما قبلكِ، ثم اختاري
الحركة الأقوى، واجلسي باطمئنانٍ فوقَ الحرفِ الذي يناسبُها.
قالت الهمزةُ: مازالَ الأمرُ غامضًا بالنسبةِ
إليّ.. أريد أمثلة.
قالت كلمة (مؤنس): انظري إليّ يا عزيزتي..
حركةُ حرفِ الميم لديّ؟
أجابتِ الهمزةُ: الضمةُ.
قالت الكلمة: وحركتُكِ في المكانِ الذي
ستستقرّينَ فيه؟
الهمزة: السكون.
سألتِ الكلمة: وأيّهما أقوى؟
قالتِ الهمزة: الضمةُ طبعًا.. إنها أقوى من
السكون.
ضحكتْ كلمةُ (مُؤنِسْ) وهي تجيب: إذن يا عزيزتي.
سنمدّكِ بحرفِ واوٍ، كي يحملَكِ فوقَهُ.
قالت الهمزة: وماذا عن الحركتين الأُخْرَيَيْن؟
أجابتِ الكلمات: اتبعي الطريقةَ نفسَها.. قارني
بينَهما، واتبعي الأقوى، فإنْ كانت هناكَ فتحةٌ وسكونٌ فأنتِ
على ألفٍ حتمًا، وإن كانت هناك فتحةٌ وكسرةٌ فأنتِ على نبرةٍ (كرسي) من دون شك.
سألتِ الهمزةُ: مثل ماذا؟
قالت الكلمات: مثل (يَأكُل) (أَسأل) (يَئنّ)
(سُئِلَ) وهكذا..
اقتربتِ الهمزةُ أكثرَ فأكثرَ من الكلماتِ، وقد
بدتْ عليها ملامحُ الارتياح.. قالتْ:
- أشكرُ لكنّ مساعدَتَكنّ، لقد عرفتُ مكاني،
فأفسحْنَ المجالَ لي، كي أجلسَ بينكنّ، وأتمّمَ رسمَ كتابتكنّ!
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق