بجوار النهر الزاخر، كانت ترسو إحدى
المراكب النيلية الكبيرة، كانت جدرانها تحمل ألواناً جميلة، وترتطم
بها أمواج النهر الخفيفة فتهتز بهدوء بالغ، أكثر ما كان يميز
تلك المركب وجود نسر عملاق عند مقدمتها، مصنوع من المعدن ومثبت جيداً في مكانه، لا تؤثر فيه الرياح ولا الأمواج، له ريش من المعدن
أيضاً، ومنقار معدني كبير، وعينان على كل جانب، كان
لونه ذهبياً ويزداد لونه لمعاناًَ عندما تشرق الشمس وحتى تغرب،
يصبح لونه الذهبي برتقالياً عندما تشرق الشمس، وأصفر عندما تتوسط الشمس السماء، وأحمر عندما تهم الشمس بالغروب.
عند شاطئ النهر وبجوار المركب كانت
تسكن أسرة من الإوزات، الأب والأم والبنات الصغار، بهرتهم تلك الألوان
الرائعة للنسر الجميل، ولأن الأب كان يخاف على الصغار من النهر فقد
قال لهم: هذا النسر يأكل كل من يسبح بجواره فلا تذهبوا إلى هناك أبداً.
استمعت الإوزات الصغار لكلام الأب ولم
تفكر إحداهن في الذهاب إلى جوار النسر إلا واحدة، كانت تريد الذهاب إلى
هناك، وتسري في داخلها رغبة شديدة في الذهاب إلى هناك وتخاف في
ذات الوقت من النسر ومما قاله الأب عنه، هل سيأكلها إذا ذهبت بالفعل؟ رأته من
بعيد صامتاً لا يتحرك فهل يستطيع أن يأكلها وهو لا يتحرك؟
فكرت كثيراً وقررت أن تذهب وتسبح حتى
مكان النسر وتسأله لماذا يريد أن يأكل الصغار؟ وبالفعل وضعت قدميها في
النهر وبدأت تجذف بهما واحدة تلو الأخرى، شعرت بجمال السباحة في
النهر لأول مرة، تنفست الهواء الكثير السائر في النهر، لعبت معها بعض الأسماك الصغيرة وقفزت فوق جناحيها لثوانٍ.
وهناك بجوار النسر، جعلت الإوزة تطوف
حول النسر، تتفحص النظر إليه، حتى الآن لم يأكلها، جعلت تفكر وتسأله:
لماذا لا تأكلني؟، لكن النسر لم يجبها، فرحت كثيراً، فهو لا يأكل
أحداً كما ظنت به.
قفزت فوق المركب بصعوبة، صعدت فوق
درجات سلم المركب وذهبت لتقف فوق النسر المعدني، وعلمت الحقيقة، فهو نسر
معدني، صامت، لا يتحرك ولا يتكلم ولا يأكل ولا يشرب، ولا يغني.
كانت الصغيرة تحب الغناء وتؤلف الأغاني
لأخواتها، قالت له: سأغني لك أغنية النسر، وسنؤلفها معاً.. النسر
الجميل لا يستطيع أن يطير.. لن يأكلني بمهارة وإن كنت فارة.. لونه
برتقالي .. بل أصفر.. لا لا بل أحمر.. بل صار الآن من المعدن.. سأحكي لأخواتي عنك.. وسنزورك ونركب فوق جناحيك.
هل أعجبتك الغنوة؟ لم يجب النسر بل
تحرك فجأة ناحية الشرق، لم تكن الأوزة الصغيرة تعلم أن هذا هو موعد
إقلاع المركب، وسقطت الإوزة في النهر بقوة، قبل أن تحدث لها إغماءة
شاهدت المركب قد تحركت وتحرك معها النسر، ثم نظرت ناحية الشاطئ فوجدت الأسرة تنظر لها، قالت: أنقذوني.
ذهب الجميع إليها وساعدوها في الخروج
من النهر وقاموا بإنقاذها فقد خارت قواها بعدما سقطت فجأة من فوق
المركب، فوق السرير نامت مريضة لأيام من هول ما حدث لها، وضاعت بعض
ريشات من ريشها في تلك الحركة العنيفة، جعلت تبكي قائلة: ليتني استمعت لكلمات أبي ولم أذهب إلى النسر، سامحني يا أبي ولكني اكتشفت
أنه من المعدن.
ربت الأب علي كتفها وقال لها: ذلك جزاء
من لا يستمع لكلام أبيه وأمه.
ثم غير الأب طريقته في الحديث وقال لها
في حنان: نحمد الله على سلامتك، ولكن هذا درس يجب أن تتذكريه
دوماً، الصغار دوماً يجب ألا يفعلوا الأشياء دون علم آبائهم.
قالت الصغيرة: أعتذر لك يا أبي، لن
أفعل شيئاً قبل أن أقوله لك.
قال الأب: وأنا سامحتك يا صغيرتي ولكن
احكي لي كيف اكتشفت أن النسر من المعدن أيتها العنيدة؟.
ضحكت الصغيرة وتبادلت الضحكات مع
أخواتها وأمها وجعلت تحكي عن تجربتها في النهر، وكيف أنها
غنت للنسر دون أن يأكلها، وتعلمت الدرس جيداً في ذلك اليوم وتلك الليلة أن
الصغار لا يفعلون الأشياء دون علم آبائهم.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق