اعْتَادَ أَحَدُ النُّسُورِ الذَّهَابَ إِلَى إِحْدَى الْقِلاَعِ الْمَنِيعَةِ كُلَّمَا شَعَرَ بِالْجُوعِ، فَيَأكُلُ مِنْهَا مَا يَشْتَهِي ثُمَّ يَعُودُ مُبْتَهِجاً سَعِيداً إِلَى وَكْرِهِ. وَذَاتَ يَوْمٍ وَجَدَ الْقَلْعَةَ قَدْ سُدَّتْ نَوَافِذُهَا وَمَنَافِذُهَا، فَعَادَ خَائِباً حَزِيناً.
سَأَلَتْهُ
السُّلَحْفَاةُ لَما رَأَتْهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ: "مَا
بَالُكَ الْيَوْمَ حَزِينٌ عَلَى غَيْرِ عَادَتِكَ أَيها النَّسْرُ؟!"
فَأَخْبَرَهَا
بِالأَمْرِ، فَاقْتَرَحَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ القَلْعَةَ
بِمِخْلَبَيْهِ الضَّخْمَيْنِ، وَيَرْتَفِعَ بِهَا عَالِياً فِي السَّمَاءِ،
ثُمَّ يُلْقِيَ بِهَا فَوْقَ صَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ، لِتَتَحَطَّمَ بِمَا فِيهَا
مِنْ أَطْعِمَةٍ لَذِيذَةٍ.
أَظْهَرَ
النَّسْرُ ابْتِهَاجَهُ لِلْفِكْرَةِ، وَقَالَ لِلسُّلُحْفَاةِ
مُمْتَنًا: "شُكْراً لَكِ أَيَّتُهَا السُّلَحْفَاةُ الطَّيِّبَةُ عَلَى
تَعَاوُنِكِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِكِ لِمَصَالِحِي".
فَكَّرَ
النَّسْرُ مَلِياًّ فِي اقْتِرَاحِ السُّلَحْفَاةِ، فَوَجَدَ أَنَّ
الْفِكْرَةَ بَلْهَاءُ وَمُسْتَحِيلَةُ التَّنْفِيذِ؛ فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ
قَلْعَةً بِكَامِلِهَا وَيَطِيرَ بِهَا عَالِياً؟!
لَكِنَّهُ
قَرَّرَ - رَغْمَ ذَلِكَ - أَنْ يَشْكُرَ السُّلَحْفَاةَ عَلَى
فِكْرَتِهَا السَّخِيفَةِ بِطَرِيقَتِهِ الْخَاصَّةِ.
قَالَ النَّسْرُ
لِلسُّلَحْفَاةِ: "إِنِّي أَيَّتُهَا السُّلَحْفَاةُ الطَّيِّبَةُ
أَوَدُّ تَقْبِيلَ رَأْسِكِ شُكْراً وَتَقْدِيراً لَكِ".
اِغْتَرَّتِ
السُّلَحْفَاةُ بِهَذَا الاِمْتِنَانِ غَيْرِ الْمَسْبُوق فِي
تَارِيخِ السَّلاَحِفِ، وَدُونَ تَرَدُّدٍ أَخْرَجَتْ رَأْسَهَا مُبْتَهِجَةً.
وَمَا أَنْ ظَهَرَ عُنُقُهَا وَاسْتَوَى رَأْسُهَا، حَتَّى اِلْتَقَمَهُ
النَّسْرُ، وَطَارَ بِهَا عَالِياً، بَاحِثاً عَنِ الصَّخْرَةِ الْمَوْعُودَةِ
لِيُلْقِيَ بِالسُّلَحْفَاةِ عَلَيْهَا فَتَتَشَتَّتَ قَوْقَعَتُهَا
وَيَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا.
لَمْ يَأْبَهِ
النَّسْرُ بِتَوَسُّلاَتِ السُّلَحْفَاةِ الْمِسْكِينَةِ،
إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ لَهُ الصَّخْرَةُ نَاصِعَةً وَاضِحَةً، فَأَلْقَى
بِالسُّلَحْفَاةِ دُونَ تَرَدُّدٍ.
لَمَّا
اسْتَفَاقَتِ السُّلَحْفَاةُ مِنْ غَيْبُوبَتِهَا، وَجَدَتْ نَفْسَهَا وَسَطَ
بِرْكَةٍ مِنَ الْمَاءِ أَسْفَلَ الصَّخْرَةِ، فَقَالَتْ وَهِيَ تَتَأَوَّهُ
مِنَ شِدَّةِ الأَلَمِ: "آه! لَوْ تَأَخَّرَ الْخَبِيثُ فِي إِلْقَائِي ثَانِيَةً
وَاحِدَةً لَكُنْتُ شَتَاتاً! هَذَا مَا جَنَيْْتُهُ عَلَى نَفْسِي، اتَّقُوا
شَرَّ أَلْسِنَتِكُمْ!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق