الأحد، 4 نوفمبر 2012

• قصص الأطفال: المحفظةُ الضائعةُ


    
          كان أطفالُ الحيّ الصغار يلعبون الكرةَ في الشارعِ، ورمي أحدُهم الكرةَ بعيداً قربَ كومٍ من الرمالِ، ذهب طفلٌ آخرٌ بسرعةٍ إلى مكانِ الكرةِ لإعادتها، وفجأةً رأى محفظةً ملقاة هناك، فرفعها بدهشةٍ ونظرَ إليها، ثم عاد بها إلى أصدقائِهِ مع الكرةِ، وأراهم إياها، فتساءل أحدُهم: هل نفتحها؟

          أجابوه بلهفةٍ: نعم لنعرفَ مَن صاحبها.
          ففتحوها ووجدوا بها بعضَ النقودِ والكثيرَِ من الأوراقِ التي لم يفهموا ما فيها، فهم لا يعرفون القراءةَ جيداً، وتساءلوا "محفظة مَن هذه؟ ربما صاحبها يبحثُ عنها. كيف نعرفه ونعيدها إليه؟".
          وأخذوا يطرقون أبوابَ البيوتِ ويسألون أصحابَها الذين أجابوا أن المحفظةَ ليست لهم، وقرأوا الأوراقَ التي بها أسماءٌ كثيرةٌ ولم يتعرّفوا على أصحابِها، وقالوا «ربما هي سقطت من مارٍ بهذا الحي، فهو بالتأكيدِ ليس من ساكني هذا الحي الذين نعرفهم جميعاً». وبعد أن يئسوا من العثورِ على صاحبِ المحفظةِ، قال أحدُهم: "حسناً لنعد إلى لعبِنا، ما لنا وهذه المشكلة؟".
          أجاب أحدُ الأطفالِ ويدعى حسن: «لنضعَ إعلاناً ونعلّقه على حائطِ الشارعِ أو بدكانِ الحي ونقول فيه إن هناك محفظةً ضائعةً تم العثور عليها ليقرأها المارةُ في الطريق، وسيعرف صاحبُها حينئذٍ أنها موجودة بهذا الحيّ، فقد شاهدت في احد مسلسلات التلفزيون أحدَ الأطفالِ وهو يفعل هذا وأعجبتني الفكرةَ»، وذهب حسن إلى أخيه الكبير ليكتبَ له الإعلانَ على ورقةٍ كبيرةٍ وبخطٍ عريضٍ، وطلب من أخيه بعد ذلك أن يعلّقها عالياً على الحائطِ، ففعل الأخ ما طلبه منه شقيقه حسن وهو متعجبٌ من اهتمام حسن بالمحفظةِ وفكرته المدهشة.
          مرت أيامٌ دون أن يأتي أحدٌ للبحثِ عن المحفظةِ أو يقرأ الإعلانَ، فقال الأطفالُ الصغار:
          - لقد فعلنا كلَّ ما بوسعنا فلننس أمر المحفظةِ.
          إلا أن حسن اعترضَ وقال: بالتأكيدِ سنعثر على صاحبِها إذا ما بحثنا فيها جيداً.
          وحمل المحفظةَ في يدِه وأخذ يبحثُ في جيوبِها جيداً، فعثر على صورةِ طفل صغير بها، وعندما تمعّن في الصورةِ وجد أنها تشبه صورةَ أحد زملائه بالصف، وقال لأصدقائِهِ:
          - لقد اهتديت لأول الخيطِ.
          وفي صباحِ اليومِ التالي، ذهب إلى المدرسةِ وهو يحملُ المحفظةَ، والتقي بصديقِهِ محمد الذي يشبه الطفل بالصورةِ وأراه الصورةَ، وسأله: أليست هذه صورتك؟
          أجاب الطفلُ: نعم صورتي. أين حصلت عليها؟
          أجابه حسن: وجدها أحد أصدقائي بالحي في محفظةٍ ملقاةٍ، وقصّ له حسن ما فعله هو وأصدقاؤه بالحيّ ليعثروا على صاحبِها دون جدوى.
          أجاب الطفلُ بفرحةٍ وسعادةٍ: هي محفظة أبي، لقد ضاعت منه منذ أسبوع كامل وتعب كثيراً في البحثِ عليها لأن بها أوراقاً مهمةً جداً، وأبلغ الشرطة بضياعها فلم يعثروا عليها، وأضافَ بسعادةٍ: سيفرح أبي جداً إذا أخبرته بأن أحد أصدقائي وجدها.
          وبالفعل أعطى حسن صديقَه محمد المحفظةَ وبها كل شيء من صور وأوراق ونقودٍ ليعودَ بها إلى أبيهِ.
          وفي اليومِ التالي، وبينما التلاميذ الصغار يتلقون دروسَهم في الفصلِ، جاء زائرٌ إلى الفصلِ واستأذن الأستاذَ في أنه يريد أن يتحدث إلى الطفلِ حسن.
          فوقف حسن بدهشةٍ وتساءل: ماذا هناك؟
          أجابه الرجلُ الزائرُ: لا تقلق أنا صاحب المحفظةِ والد صديقك محمد، أردت أن أشكرك على اهتمامك بمعرفةِ صاحب المحفظةِ الضائعةِ، وهذا يدل على إحساسِك بالمسئوليةِ تجاه الناس، ففي محفظتي أوراقٌ مهمةٌ كانت ستكلفني وقتاً وجهداً كبيرين لاستخراج بديل لها، وكان ذكاء منك أن تستدلّ بالصورةِ  الموجودةِ بداخِلها، شكراً لك يا حسن.
          كان الأستاذُ يستمعُ إلى الرجلِ وهو يتحدث إلى حسن باهتمامٍ وفهم القصةَ، وبعدها طلب من التلاميذِ أن يصفّقوا لحسن عالياً، وليكون فعله قدوةً لباقي التلاميذِ، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ الناس أنفَعُهم للناسِ ".


إقرأ أيضًا






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق