أخبرني جدي أنه
ذات يوم عندما كان طفلاً يلعب في حديقةِ منزِلهِ، لفت نظره أن بعض أزهار الحديقةِ تتحرّك. اقترب منها
وراح يلمسها ويزيح أوراقَها وينظر إلى داخِلها وينبشُ الترابَ، فلم يجد شيئاً. ابتعد
وراح يرسمُ على ترابِ الحديقةِ ويتسلّى بكلّ ما تقع عليه عينُه، وهو يعرفُ كل
زوايا الحديقةِ، ويعتبرها ملكه، إذ كان يهتم بأزهارِها ويسقيها، وفي بعض الأيامِ
كان يختار بعض الزهورِ ويعمل منها باقةً ويفاجئ أمّه بها، فتُسر عندما يضعها في
مزهريةٍ.
يقول جدي إنه أَحَبّ الألوان منذ ذلك الوقت،
ويتابع قوله إن الأزهار هي التي حبّبته بالألوانِ.
نسيت أن أقول إن جدي هو رسّام وملوّن جيد. كان
يذهب إلى المدرسةِ، وكان الأول في مادّةِ الرسمِ. وجيّداً في بقيةِ
الموادِ.
قلت لجدّي: لم تخبرني عن تحرّك تلك الأزهارِ
وقلت إنك لم تجد شيئاً بين أوراقها وتحت الترابِ.
أجاب جدّي: صحيح.. ذات صباح وأذكر أنه يوم عطلة
خرجت إلى الحديقةِ لأسقيها، لقيت سلحفاةً تذهبُ في أرجاء
الحديقةِ، فما إن شَعَرت بوجودي حتى سارعت خطاها واتجهت صوبَ الأزهارِ.
قلت: نفس الأزهار التي كانت تتحرّك؟
أجاب: نعم.. دخلت بين أزهارها واختفت، أنا سررت
لوجود هذه السلحفاةِ. واعتبرت أن الحديقة مسكونة، ولابد أن سلحفاة
أخرى موجودة في زاويةٍ ما في الحديقةِ.
أخبرت أمي، رحمها الله، قالت لي إن السلحفاة
تحب أكلَ الخسِّ، وأعطتني بعضاً من أوراق الخسِّ ووضعتها قريباً من حيث
تغلغلت السحلفاةِ، وجلست بعيداً أراقب، مضى وقت وإذا بالسلحفاةِ تمد رأسَها
وتشم الخسَّ، ثم تبدأ بأكلِه، لم أتحرّك وكنت سعيداً بما أراه، وبعد لحظات ظهرت سلحفاةٌ
ثانيةٌ، ركضت إلى أمي، أخبرتها، ضحكت، وقالت لي: ليتنا نجد غزالةً تخرجُ من بين
الأعشابِ والأزهارِ.. مَن يدري؟
ثم تابع جدي قصته: مضت الأيامُ وكنت كلما أعود
إلى البيتِ أحمل معي خسَّةً، نأكل منها ونطعم العائلةَ الجديدةَ
الساكنةَ في الحديقةِ، عائلةَ السلحفاتين اللتين عقدا زواجهما وأصبح لهما
ولدان سلحفاتان، وصارت الحديقةُ بيتاً كبيراً لهذه العائلةِ التي اعتدنا عليها،
واعتادت هي علينا.
وتابع جدي قائلاً: ذات ليلة، حلمت حلماً
جميلاً، بعد الحلم استيقظت عند الفجرِ، وكانت ألوانُه تلوّن السماءَ، ونور
الفجرِ يدخل إلى غرفتي، قمت بعد أن رأيتُ في حلمي أن غزالاً في الحديقة يلعبُ مع
السلحفاةِ، خرجتُ إلى الحديقةِ. لم أر غزالاً ولا سلحفاة. قلت إن الأحلامَ جميلةٌ،
أجملُ من الواقعِ، وإن عائلةَ السلحفاةِ مازالت نائمةً، عدت إلى فراشي أبحث
عن حلمٍ جديدٍ لعلّي أرى الغزال مرةً ثانيةً، لكني ما لبثت أن غفوت.
قلت لجدّي: وبعد هذا ماذا حصل: قال: لا شيء، لا
شيء، أعتقد أني سآخذ فرصةً منك الآن لأنامَ قليلاً.. لعلّني...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق