الجمعة، 23 نوفمبر 2012

• قصص الأطفال: السفينةُ المسحورةُ



        تعوّدَ رجلٌ قروي على أن يذهبَ إلى مكانٍ بعيدٍ على شاطئٍ لصيدِ السمكِ، وفي يومٍ من تلك الأيامِ، لاحظَ أن في الصنارةِ التي في طرفِ بوصتهِ التي يصطادُ بها شيئاً ما كبيراً وثقيلاً، فجرَّهُ إلى الشاطئِ وتمكن من رؤيتِهِ. وكان عبارة عن صندوق، وحمله على الفورِ فوقَ ظهرَه وسلك طريقَه إلى دارِه، وهناك وبلا مقدمات، بدأ يخبطه بحجرٍ. ونصحته زوجتُهُ:

          - لا تفعل، فأنت بهذا ستثير ضجيجاً هائلاً.
          وعندما جاء الليلُ، استلقى الرجلُ على سريرِه، وكان الوقتُ مازال في أولّ الليلِ، فإذا به يسمعُ هرجاً ومرجاً، فقام من سريرِه ليرى ما هذا الذي يجري، وإذا به يرى مَلكين، وعلى رأسِ كل منهما تاجَه، وكانا يتصارعان كل واحد مع الثاني. ثم فجأة انطفأت الأنوارُ واختفى الملكان. وفي الفجرِ، استيقظ على صوتِ زوجته يعلو وهي تشتكي، وكان ما قالته له:
          - أنت جئت إلى هذه الدارِ بمصيبةٍ.
          وما إن قامَ الرجلُ من السريرِ حتى قرَّب الصندوق منه، وما إن حطّم قفلَه حتى فوجئ بأميرةٍ داخلَه. وكانت مسترخية على كنبةٍ، وكيس من الدنانيرِ عند قدميها. وأخذ الصيادُ منها كيسَ الدنانيرِ بعدما أوصته الأميرةُ ألا يقولَ لأي إنسان أنها موجودةٌ هنا عندَه. وفي أيامٍ قليلةٍ تحوّلت الدارُ الفقيرةُ إلى دارٍ غنيةٍ.
          لكن سرعان ما نفدت الدنانيرُ، وذهبَ الصيادُ ليشتكي للأميرةِ ويقولُ لها إن الدنانيرَ نفدت، فانتزعت الأميرةُ ورقةً من أوراق كتاب تحمله معها، وأعطتها للصيادِ قائلةً له إن عليه أن يأخذَ الورقةَ معه في قاربِهِ، ثم يلقي بها في البحرِ، وعليه أن يتحرّكَ بالقاربِ وراءَها، ويتوقفَ فقط في المكانِ الذي تتوقفُ الورقةُ عندَه.
          ومثلما قالت له الأميرةُ، فعل. وفي المكانِ الذي توقفت عنده الورقةُ، ظهرت له سفينةٌ رائعةٌ، ومنها انطلقَ متجهاً إليهِ زورقٌ ليحملَ الصيادَ، الذي ما إن وصلَ إلى ظهرِ السفينةِ، واستمرَّ في سيرِهِ حتى توقف في قاعةٍ وجد بها ملكةً مسترخيةً. وسألته الملكةُ:
          - هل ابنتي موجودةٌ في دارك؟
          وأجابها الصيادُ:
          - نعم.
          - إذن عليكَ ألا تقول عنها شيئاً لأي إنسانِ، لأنك يوماً ما ستقول. وبعد أن ألقت نظرةً على الورقةِ التي دلّت الصيادَ إليها، أعطته كيسَ دنانير، وطلبت منه أن ينقلَ تحياتَها وكل محبّتها باسمها إلى ابنتِها.
          وما إن وصلَ إلى دارِهِ حتى نقلَ الصيادُ تحيات الملكةِ الأمِ إلى الأميرةِ السجينةِ التي عنده، وكذلك كيس الدنانير الذي يحمله، ثم حكى لها كلَّ ما حدث في رحلتهِ، فأطلعته الابنةُ على سرٍّ:
          - سأفكَّ سحرَها في يومٍ ما.
          وفي ذلك الوقت، حدثَ أن ملك هذا البلد خرجَ للصيدِ في تلك الناحيةِ ووصل قريباً من الدارِ التي توجد فيها الأميرةُ. وأثار دهشتَه أن يرى داراً في الريفِ جميلةً بهذا الشكلِ، فأرسل مَن نادى على الصيادِ. ولما جاءَ إليه، أخبره الملكُ أنه قرّر أن يذهبَ إليه ليتناول الغداءَ معه. رجع الصيادُ إلى دارِهِ وهو في غايةِ الاضطرابِ، ودخل على الأميرةِ ليقول لها ذلك، لكنها طمأنته وقالت له ألا يخاف، وإنها ستتعهّدُ بكلِّ شيءٍ.
          دخل الملكُ فرأى مائدةً معدةً بذوق عالٍ، ولاحظ أن كلَّ ركن من أركانِ المائدةِ عليه ورقةٌ، وفي المكانِ المخصصِ لجلوسِهِ، كأس ملكية، والحقيقةُ أن الملكَ اندهشَ وسأل الصيادَ:
          - هل عندك شخصيةٌ ملكيةٌ في دارِك؟
          وإذ قالَ الصيادُ للملكِ: لا. ردَّ عليه الملكُ:
          - لا تنكر، لأنني عرفت هذا من الطريقةِ التي أعدّت بها المائدةُ.
          والملكُ ومَن معه أكلوا وشربوا، لكن عند خروجهم، أحسَّ الملكُ بذلك الصوت العالي لبابٍ يغلق، ومن الفضولِ الذي أثاره صوتُ البابِ، أحبَّ أن يعرفَ ما وراء الباب، فرأى أميرةً بالغةَ الجمالِ.
          أرادَ الملكُ أن يتبادلَ معها الحديثَ، لكن الصياد اعتذرَ له قائلاً إنها لا تسمح بالكلامِ معها. وانصرفَ الملكُ وعادَ الصيادُ للأميرةِ وأخبرها بما جرى بينَه وبين الملكِ. وأجابته الأميرةُ بأنها ليست خائفةً، لأنه كان لابد، في الحقيقةِ، من أن يعرفَ ملكٌ واحدٌ أنها هنا.
          وما إن وصلَ الملكُ إلى قصرِهِ، حتى حكى لابنِهِ ما حدث، دون أن يفوتَه امتداح جمال الأميرةِ ولو للحظةٍ واحدةٍ طوال حديثه، ولكي يبرهنَ له على صدق كلامِهِ، أرسلَ في طلبِ الأميرةِ والصيادِ اللذين استقبلاهما بسرورٍ عظيمٍ.
          أحسّ ابن الملك على الفورِ بأنه وقع في حبِّ الأميرة، وأنه يريد أن يتزوجها، وبالفعلِ تزوجا.
          وقالت الأميرةُ لزوجِها الأمير:
          - والآن علينا أن نذهبَ لنفكَّ سحرَ أمي.
          والاثنان ركبا معاً في سفينةٍ، والأميرةُ رمت ورقةً من أوراقِ كتابها في البحرِ، ولم يتوقفا إلا في المكانِ الذي توقفت فيه الورقةُ، وعندئذٍ ظهرت السفينةُ التي فيها الأمُّ، وعندما التقوا، فرحت الأمُّ كثيراً برؤيةِ ابنتها راجعةً إليها.
          كانت الملكةُ هي التي قام العمّان بعملِ السحرِ لها، وهما أنفسهما اللذان رآهما الصيادُ. عندما استيقظَ من نومِهِ، وكانا يتصارعان عندما كان أحدُهما يريدُ، والآخر يعترضُ على فكِّ السحرِ.





هناك تعليقان (2):